مأساة إيزيدية تركيا قبل قرن في مذكرات (ميرازي)
إعداد وترجمة: الباحث/ داود مراد ختاري
الحلقة (7)
لقد ذهبنا إلى المصايف وأخذنا أماكننا، بعدها بيومين آل سوسن أفندي جاءوا من (ديادين) إلى تلك المصايف، سوسن أفندي كان متدرجا، هم أربعة أخوة، خيمته لم تكن بعيدة عن بيتنا، تل صغير كان يقابل الخيم، كانوا يترددون على التل للجلوس، والجيرة الباقون كانوا يجلسون حوله ويمضون أوقاتهم بالحديث، وكانوا يخرجون كل ما يعرفونه هناك.
لقد أعجب سوسن أفندي، وكان يحبني لأنني أدرس بجد، ومن جهة أخرى كنت أرعى غنمه في أوقات الحلب، وطبعا الغنم كانت تهرب من الحالبة، وأينما تذهب الأغنام كان علي أن أجلبها، وبالأخص تلك النعجتين الهاربتين كانتا يهربان من الحالبة بتكرار، وعند هروبهما، كانت تصرخ الحالبة:
- أحمد، ذهبا.
وكنت أهرول خلفها، وأعيدها بصعوبة وجهد كبيرين.
في أحد الايام الجيران كانوا متجمعين في تلك الغرفة، حينها قال سوسن أفندي:
- شاويش، يمدحون أحمد كثيرا، ويقولون بأنه يدرس بجد.
قال له أبي:
- سأرسله هذه السنة إلى مدرسة المدينة، ليدرس التركية.
قال الأفندي:
- ليبقَ ويعمر بيتنا، إذهب وتعلم في المدرسة .
هذا اساس هذا الوعد بدءوا بتحضيري، لقد أستعديت في الخريف، أخذني أبي وأخي تيمور إلى بيت سوسن أفندي، وفي اليوم التالي أخذني الأثنين إلى المدرسة ولحسن الحظ قبلت فيها.
كان يطلق على تلك المدرسة (المكتبة الإبتدائية). من المفروض أن أدرس سنتين فيها، وبعدها أذهب إلى مدرسة السنة الثالثة، وكانوا يطلقون عليها (روشدي)، والنتيجة، سجل الأستاذ أسمي في سجله، وأعلمني بمكان جلوسي، كي أجلس هناك كل يوم وأدرس.
مدرستنا كانت غرفة كبيرة، بالقرب من جامع، نافذة وحيدة، نصفها من الزجاج، والنصف الأخر مكسور، وبدل الزجاج كان يوضع ورق الدراسة السميك، ومغطاة تماما، وكان الضوء يمر من خلال تلك الأوراق، والنتيجة، الاطفال كانوا يفتحون عيونهم بعناء حتى يروا، ويقرأوا ويكتبوا دروسهم، لم تكن هناك كراسي أومنضدة، لقد أفرشوا حصيرا يجلسون عليه، وكنا جميعا نجلس عليه ما عدا الاستاذ كان لديه منضدة صغيرة وحصيرة جديدة يجلس عليها، وكان لديه فضلا عن ذلك اثنين من العصي، واحدة سميكة قليلا والاخرى رفيعة، الرفيعة كانت لضرب الطلبة في ايديهم، والسميكة كانت للفلقة والجلد على ارجلهم.
الفلقة كانت تتم بعصا مدورة، تقارب الثمانين سم طولا، وعرضها ثلاثة سم، وشريط حبل ثلاثة -اربعة أمتار، كان تعقد من كلا الطرفين، الفلقة وكلا العصوين كانتا تحت منضدته، وفي الصباح عندما يرتاد المدرسة، يقوم التلاميذ، ولم يكن ينظر إلى الاطفال الواقفين حتى يأخذ مكانه جالسا، كان يخرج الفلقة والعصوين من تحت المنضدة، يضعها بجانبه، وكان يسأل عدة أطفال عن دروسهم، وينظر إلى ما كتبوه من نشاطات بيتية، وعندها تبدأ أدوار الفلقة والعصي، الاطفال يعلمون بشكل جيد بأن الاستاذ سيعاقبهم بالعصي والفلقة، الذين لم يحفظوا الدرس، لم يحترموا المدرسة، أو لم يحترموا مدينتهم، ويمكن أن يكون هناك من اشتكا من أحد هؤلاء الطلبة لدى الاستاذ.
مثلا، إذا ضرب طفل الجيران، كان الجيران يشتكون للاستاذ والاستاذ بدوره يربيه. ومهما كانت ذنوبه خفيفة، فالاستاذ يطلب منه الجلوس على ركبتيه ويقول له:- مد يديك أمامي.
بتلك العصا الرفيعة كان يضرب من ثلاث إلى عشر ضربات على يدي الطالب، ولم يكن هناك أقل من ثلاث ضربات، لكن الفلقة كانت أشد بكثير، أصحاب الذنوب الثقيلة كان الاستاذ يمدهم على الارض ويدعوا أخرين لشد الحبل على قدميهم المرفوعتين، ويبدأ بضربه بالعصا الغليظة، ولم يكن يعدها، وتبقى المسألة مرهونة بتحمل الطالب وأنصاف الاستاذ.
أحوالي كانت سيئة في تلك المدرسة، من الخريف الطلبة قد أخذوا أماكنهم، والذي كان يقرأ بصورة جيدة، كان يجلس في الصفوف الأمامية، والذي مستواه أقل يجلس بعده، والمسألة متعلقة بالعلامات، فالذي يحصل على علامات جيدة في الأمتحان يجلس في المقدمة، واصحاب العلامات القليلة يجلسون وراءهم، ولكن أنا... لم أكن حاصلا على اية علامة، ولا كنت أجيد اللغة التركية، والتحدث باللغة الكردية ممنوع في المدرسة، مكانى كان في المؤخرة تماما، والذي يدخل يأتي لي بالبرد والصقيع، ويضعون أحذيتهم أو جواريبهم على مكانى، ولهذا أعضاء عائلتي أصبحوا حميمين لدي، الاطفال الذين كنت أتشاجر معهم في البيت كثيرا أصبحوا أغلى لدي، والأكثر من الجميع صارت حميمة لدي هي أمي.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire