المولد والنشأة:
الملا محمد عمر مجاهد هو ابن المولوي غلام نبي بن المولوي محمدرسول بن المولوي بازمحمد، وقد وُلد في عام 1960م في أسرة متدینة من قریة (چاه همت) بمدیریة (خاكریز) من ولایة (قندهار). وكان والده المولوي غلام نبي وُلد أیضاً في نفس المدیریة ونشأ وتعلّم علی علمائها، ولاشتغاله في مجالي الدعوة والتدریس بین الناس؛ عُرِف كشخصیة علمیة واجتماعیة في تلك المنطقة.
بعد عامین من مولد الملا محمد عمر مجاهد انتقلت أسرته من مدیریة (خاكریز) إلی قریة (نودي) في مدیریة (دند) من هذه الولایة، واشتغل والده هناك بالدعوة والتدریس بین أهل تلك المنطقة إلی أن توفّي في تلك المنطقة في عام 1965م، ودُفن بمقبرة طالبان القدیمة الشهیرة في مدینة (قندهار).
بعد وفاة والده، انتقلت أسرة الملا محمد عمر المجاهد من مدیریة (دند) في (قندهار) إلی مدیریة (دهراود) في ولایة (أرزگان)، وهناك بدأ المرحلة الأولی من حیاته تحت رعایة عمّیه المولوي (محمدأنور) والمولوي (محمد جمعة).
دراسته:
في العام الثامن من عمره، دخل الملا محمد عمر المجاهد المدرسة الابتدائیة الدینیة في منطقة (شهركهنه) من مدیریة (دهراود) والتي كان یشرف علیها عمّه المولوي (محمد جمعة)، فبدأ دراسته الدینیة الابتدائیة علی عمّه في تلك المدرسة. وكان لكل من عمّیه -وبخاصة للمولوي محمد أنور- دور هام في تعلیم وتنشئة الملا محمد عمر المجاهد.
أنهی الملا محمد عمر المجاهد دراسته لمرحلتي الابتدائیة والمتوسطة بنجاح في هذه المدرسة. ومع بلوغه السنة الثامنة عشرة من عمره، بدأ بدراسة العلوم الشرعیة العلیا وفق المنهج الرائد في تلك المنطقة، إلا أنّ دراسته لهذه المرحلة انقطعت في عام (1978م) بسبب الانقلاب الشیوعي ووصول الشیوعیین إلی سدّة الحكم في أفغانستان.
عائلته:
من ناحیة الانتماء القبلي ینتمي الملا محمد عمرالمجاهد إلی فخذ (تومزي) من قبیلة (هوتك) البشتونیة، وقبیلة (هوتك) وهي أحد الفرعین الرئیسیین للبشتون. ولهذه القبیلة أبطال مجاهدون، وقادة وطنیون من ذوي الرأي والتدبیر في تاریخ أفغانستان المعاصر من أمثال القائد الإسلامي الشهیر (الحاج میرویس خان)، والغازي الكبیر (الحاج میرویس خان) رحمه الله تعالی الذي یلقبه الأفغان احتراماً له بلقب (بابا) وهو یعني (الجدّ) و(الزعیم الكبیر) فهو من حرّر أفغانستان من الحكم الصفوي الظالم عام (1088) هـ الموافق (1712م)، وأسّس فیها للأفغان حكومة إسلامیة مستقلّة قویة.
أجداد الملا محمد عمر المجاهد كانوا من العلماء المدرّسین الدیّنیین، وقد وقفوا حیاتهم لخدمة دین الله تعالی وتدریس العلوم الدینیة وتربیة المسلمین دینیاً وفكریاً، ولذلك كان لهم القبول الواسع في نفوس الناس، وكانوا یحظون بالشرف والمكانة الاجتماعیة العالیة في مجتمعهم.
إنّ مولد الملا محمد عمر المجاهد في مثل هذه الأسرة ونشأته تحت الإشراف المباشر للمربّین العلمیین والفكریین أوجدت فیه الصلاحیة الفكریة والجهادیة، وساهمت في أن یظهر بین أفراد المجتمع الأفغاني كشخصیة تمتاز بالإخلاص والجهاد والرحمة والمشاعر الدینیة الفیاضة، وأن یظهر كقائد إسلامي استطاع أن یجنّب مجتمعه -بجهاده وجهوده الإصلاحیة- من الفساد، والظلم، والحیف، وأن یُجنّب أفغانستان شرّ التقسیم المحتّم قبیل تأسیس الإمارة الإسلامیة.
إنّ أسرة الملا محمد عمر المجاهد أسرة مجاهدة، وإخوته وأعمامه جميعهم مجاهدون، وقد قدّم أربعة من أفراد أسرته شهداء في سبیل الله تعالی. وعمّه الملا محمد حنفیة كان هو أول الشهداء في الیوم الأول للهجوم الأمریكي علی أفغانستان بتاریخ 7/ 10/ 2001م في القصف الجوي الأمریكي الظالم.
جهاده:
الملا محمد عمر المجاهد كان لایزال في العشرینیات من عمره حین سیطر الشیوعیين علی الحكم عن طریق الانقلاب العسكري، وبعد ذلك الإنقلاب لم یكن من الممكن للملا محمد عمر المجاهد وأمثاله من طلاب العلم الاستمرار في مواصلة طلب العلم، لأنّ حرب الشیوعیین الملحدین كانت علی مستوی البلد كله ضدّ العلماء، وطلبة العلم، وطلاب الجامعات، والمسلمين المثقفين؛ ولذلك رأی الملا محمد عمر المجاهد ضرورة ترك مواصلة الدراسة الشرعیة في المدرسة والالتحاق بجبهة الجهاد لأداء مسؤولیته الشرعیة. فبدأ جهاده في مدیریة (دهراود) من ولایة (أرزگان) في جبهات (حركة الانقلاب الإسلامي).
وبعد فترة من الجهاد في هذه المدیریة ظهرت شخصیة الملا محمد عمر المجاهد كأشجع قائد جهادي معروف علی مستوی ولایة (أرزگان)، وقد قام بدور فعّالٍ في كثیر من العملیات الجهادیة في مختلف ساحات هذه الولایة، وبسبب شهرته الجهادیة وقیامه بعملیات موفّقة حاز علی قبول واسع وثقة كبیرة بین المجاهدین آنذاك.
وحین أراد المجاهدون آنذاك القیام بعملیات هجومیة موحّدة في مدیریة (دهراود) ضدّ الشیوعیین، عُيّن الملا محمد عمر المجاهد قائداً عاماً للمعركة من قِبَل مختلف جبهات المجاهدین. فقام بعملیات موفّقة ضدّ العدوّ، وأُصيب إصابته الأولی في تلك المعركة، وهكذا خاض معارك كثیرة وجهاً لوجه لأكثر من ثلاث سنوات ضدّ الروس والشیوعیین إلی جوار إخوانه المجاهدین في تلك المنطقة.
یقول أصحاب الملا محمد عمر المجاهد ومسؤولوه في جبهة الجهاد آنذاك: إنّ الملا محمد عمر مع أنّه كان لازال شاباً في ذلك الوقت، إلا أنّه كانت فیه صلاحیة تحمّل المسؤولیة والقیام بجمیع أعمال الجهاد، وكان یتمتّع بصحة جیدة جداً.
وبعد أن أمضی أعواماً في الجهاد في ولایة (أرزگان) ذهب في عام (1983م) مع إخوانه المجاهدین -بقصد تنسیق الفعّالیات الجهادیة- إلی مدیریة (میوند) في ولایة (قندهار)، وواصل جهاده هناك ضدّ الروس والشیوعیین في جبهة القائد الجهادي الشهیر (فیض الله آخندزاده) الذي كان یتبع منظمة (حركة الانقلاب الإسلامي). وبسبب جهاده وإخلاصه ومشاركته الموفّقة في كثیر من العملیات الجهادیة وبمعرفته بأسالیب القتال وشهرته فیها صار موضع ثقة المجاهدین علی مستوی تلك المنطقة، وفُوِّضت إلیه مسؤولیة جبهة جهادیة مستقّلة من قِبَل تنظیم (حركة الانقلاب الإسلامي) بقیادة الشیخ المولوي (محمد نبي المحمدي).
قام الملا محمد عمرالمجاهد بعملیات جهادیة موفّقة في الفترة ما بین 1983م إلی 1991م في المناطق التابعة لمدیریات (میوند) و(ژړي) و(پنجوایي) و(دند) والتي عُرفت بمعاقل المجاهدین ضدّ القوات الروسیة، وكانت تشهد كل یوم معارك بین المجاهدین والقوات الروسیة، وكذلك في مناطق (شهرصفا) والساحات التابعة لمدینة (قلات) مركز ولایة (زابل)، وكان یشترك في جمیع تلك العملیات بنفسه.
السلاح المفضّل عند الملا محمد عمر المجاهد هو قاذف (R.P.G) وله مهارة خاصة في استعماله. وتجدر الإشارة إلى أن ولایة (قندهار) وبخاصة مدیریة (میوند) و(ژړي) و(پنجوایي) كانت هي المناطق التي عرفت آنذاك بالمحاور الرئيسیة لهزیمة القوات الروسیة. ومن كثرة السیارات والدبابات الروسیة المحروقة في هذه المناطق كان الجنود الروس يجعلون منها جدراناً واقیة علی طرفي الطریق الممتد بین (قندهار) و(هرات) لتحفظهم من نیران المجاهدین.
أصیب الملا محمد عمرالمجاهد في الجهاد ضدّ الروس والشیوعیین بالجروح لأربع مرات، وقد فقد عينه الیمنی في المرّة الأخیرة.
كان الملا محمد عمر المجاهد یُعرَف كقائد جهادي بارز علی مستوی (قندهار) والولایات المجاورة في الجهاد ضدّ الروس والشیوعیین. وكان له دور قوي ومؤثر في كثیر من العملیات الجهادیة وسنذكر في السطور التالیة جانباً من ذكریات جهاده ضدّ الروس كأمثلة نقلاً عن بعض أصحابه في ذلك الوقت وهي كالتالي:
1 – في ولایة (قندهار) كانت هناك نقطة عسكریة للعدوّ شدیدة الإحكام وكانت تُسمّی (بدوانو پوسته)، وكان العدوّ قد أوقف في تلك النقطة العسكریة دبّابة في موقع حساس جدّا حیث كانت تستهدف المجاهدین بنیرانها، وكان المجاهدون قد تضایقوا منها كثیراً، حاول المجاهدون كثیراً أن یستهدفوا تلك الدبابة ویتخلّصوا من شرّها، ولكنهم لم یفلحوا في استهدافها علی الرغم من المحاولات المتكرّرة، وأخیراً دعى المجاهدون الملا محمد عمرالمجاهد من جبهة (سنگ حصار)، فاستطاع الملا محمد عمرالمجاهد أن یستهدف تلك الدبابة بقاذف (R.P.G)وإحراقها، وكانت هذه الحادثة إنجازاً كبیراً للمجاهدین في ذلك الوقت.
2 – في إحدی المعارك ضدّ القوات الروسیة في منطقة (محلّه جات) القریبة من مدینة قندهار أحرق الملا محمد عمر المجاهد دبّابات وسیارات كثیرة للعدوّ برفقة صاحبه الملا عبیدالله - الذي صار فیما بعد وزیراً للدفاع أیام حكومة الإمارة الإسلامیة ونائباً لأمیر المؤمنین بعد الغزو الأمریكي- ومن كثرة السیارات والدبابات المحروقة في قوّات العدوّ كان الناس حین ینظرون من البعید إلی الرتل المحروق من یوم الغد، یظنون أنّ قوات العدوّ لازالت لم ترحل، مع أنّ العدوّ كان قد فرّ من الساحة، وخلّف وراءه عدداً كبیراً من الدبابات والآلیات المحروقة.
3 – في یوم من الأیام في زمن الجهاد ضدّ الروس كان الملا محمد عمر المجاهد مع صاحبه (الملابرادر)- الذي صار فيما بعد أحد نائبي أمیر المؤمنین- في منطقة (سنگ حصار)، وكان رتل الدبابات الروسیة یمّر علی طریق قندهار- هرات، وكان مع الملا محمد عمرالمجاهد قاذف واحد وأربع قذائف فقط لقاذف (R.P.G)، فبدأوا المعركة ضدّ رتل القوات الروسیة بتلك القذائف الأربعة فقط، وأحرقوا أربع دبابات وآلیات للعدوّ.
4 - یقول الملا برادر الذي عاش مع الملا محمد عمر المجاهد في الجهاد بأنّ الدبابات الروسیة التي أحرقها الملا محمد عمرالمجاهد قد نسي الإخوة عددها لكثرتها.
وفي عام 1991م حین سقطت حكومة (نجیب) الشیوعیة وبدأت بعدها الحرب الأهلیة توقّف الملا محمد عمر المجاهد أیضا مثل بقیة المجاهدین المخلصین عن العمليات العسكریة، وفتح مدرسة دینیة أهلیة بجوار مسجد الحاج إبراهیم في قریة (گیشانو) من منطقة (سنگ حصار) في مدیریة (میوند) بولایة ( قندهار)، وبدأ استكمال دراسته الدینیة مع عدد من إخوانه المجاهدین بعد حیاة مضنیة لأربعة عشر سنة أمضاها في الجهاد.
هذه الفترة هي نفسها كانت الفترة التي اشتعلت فیها نیران الحروب اللاهادفة بین المنظمات المقاتلة في جميع أرجاء البلد بما فیها العاصمة (كابل)، وحالت الأغراض الذاتیة السیّئة لمسعّري الحروب التنظمیة دون الوصول إلی أهداف الجهاد والمجاهدین وتحقیق آمال أكثر من ملیون ونصف الملیون من شهداء الشعب الأفغاني المسلم.
القیام ضدّ الفساد، وتأسیس الإمارة الإسلامیة:
بدلاً من أن یقوم النظام الإسلامي وتتحقق آمال المجاهدین في أفغانستان، نشبت الحروب الأهلیة في هذا البلد، ومن خلال مؤآمرة مدروسة أُضعِفَ المجاهدون الحقیقیون ونُحُّوا من المیدان. وبدلاً من أن یُحاكم الشیوعیّون علی جرائهم، قام بعض المجاهدین السابقین بضمّهم إلیهم، وبدأ البعض الآخر منهم -بشكل منظم- بنهب ممتلكات الناس وإهانتهم، وهكذا خیّم علی البلد كله الهرج والفساد الذي لم یر الأفغان السابقون له مثيلاً في حیاتهم، فصارت أرواح الناس وأموالهم معرضة للتهدید في كلّ لحظة، ونصب قطاع الطرق والجهال والسفلة حواجز علی الطرق والشوارع في البلد كله لفرض المكوس والأتاوات وفق أهوائهم علی عامة الناس، بل ولم یمتنعوا عن هتك الأعراض أیضاً.
ونُهبت الممتلكات المادّیة والمعنویة العامة، كما نُهِبَت غنائم الجهاد والثروات الطبیعیة بشكل لم یُر له مثیل فيما سبق. والشعب المسلم المجاهد الذي جاهد لأربعة عشر سنة لم یواجه خطر ضیاع ثمرة جهاده فحسب، بل أحدقت به الأخطار والتهدایدات في حیاته الیومیة أیضاً. وكان الفساد الاجتماعي، والقتل، والنهب، وأنواع الظلم والوحشة ومصائب المسلمین في ازدیاد بسبب فتنة الهرج والفوضی. وأوقعت هذه الظروف العصيبة المجاهدین المخلصین الذین كافحوا لتحریر وإعزاز الشعب المسلم في قلق وعناء.
والملا محمد عمر المجاهد الذي كان یعیش مع بعض إخوانه المجاهدین في مدیریة (میوند) من ولایة (قندهار) أیضاً كان قد أحزنته هذه الظروف والمصائب مثل بقیة إخوانه المجاهدین المخلصین، لأنّه كان یری الحواجز قد نُصبت في كل مكان علی طول الطریق الممتد بین (قندهار) و(هرات)، وكان المسلحون المفسدون يقومون بإیذاء ونهب المسافرین المظلومین من النساء والعجزة، وكانت تُنتهك أعراضهم وتُزهق أرواحهم. ویجدر بالذكر أنّ عدد الحواجز كان قد بلغ حداً كبیراً، حیث أنّ التجار الذین كانو ینقلون البضائع من (هرات) إلی الحدود الباكستانیة كانوا یحترزون من المرور علی الطریق العام في (قندهار)، فكانوا ینزلون أموالهم في مدیریة (میوند) خوفاً من المسلحین في الحواجز، وینقلونها إلی مدیریة (بولدك) الحدودیة عن طریق الصحراء بتحمّل المشاكل الكثیرة لیكونوا في مأمن من شرّ أصحاب تلك الحواجز.
الملا محمد عمر المجاهد وإخوانه المجاهدون كانوا علی علم بأحوال مدینة (قندهار) أیضاً، والتي كان قد تقاسمها المسلّحون الأوباش فیما بینهم، وكانوا یقومون بغصب ممتلكات بیت مال المسلمین ویبیعونها، كما كانوا یغصبون الأراضي الحكومیة ویبنون لهم علیها المتاجر والأسواق. وعلاوة علی كلّ ذلك، كان أولئك المسلحون الأوباش في قتال واشتباكات دائمة فیما بینهم والتي كان یُطحن فیها عامة الناس.
هذه الأوضاع المأساویة اضطرت المجاهدین المخلصین لأن یقوموا للقضاء علی الفساد بقصد الحفاظ علی أرواح عامّة الناس وأموالهم، فتشاور المجاهدون فیما بینهم، وعقد الملا محمد عمر المجاهد وإخوانه المجاهدون أول مجلس للشوری مع علماء المنطقة المعروفین في منطقة (زنگاوات) من مدیریة (پنجوایي) وقد طلب المولوي سید محمد المعروف بـ (المولوي پاسنی)- الذي كان قاضیاً لعموم المجاهدین في ولایة قندهار في زمن الجهاد ضدّ الشیوعیین - من الملا محمد عمر المجاهد في ذلك المجلس أن یقوم بالانتفاضة ضدّ الفساد، وأنّ جمیع العلماء والطلاب الموجودین في المجلس یقفون معه ویؤیّدونه. ومن هذا المجلس وضع الملا محمد عمر المجاهد لبنة الأساس لحركة طالبان الإسلامیة. فكان الیوم الخامس عشر من شهر محّرم الحرام من عام 1415 هـ مبدأ التحرك للكفاح ضدّ الفوضی والفساد.
ولمّا بدأت حركة طالبان الإسلامیة بقیادة الملا محمد عمرالمجاهد كفاحها ضدّ الفساد، استقبلها الناس ورحّبوا بها بشكل واسع، فطهّرت في البدایة مدینة (قندهار) وفیما بعد مناطق كثیرة أخری من المسلّحین الأوباش المفسدین والفوضویین.
وبعد أن بسطت الحركة سيطرتها علی مناطق كثیرة من البلد، اجتمع عدد كبیر من العلماء وكان یبلغ عددهم 1500 عالم لتأیید إمارة الملا محمد عمر المجاهد في الاجتماع الذي عُقِدَ بتاریخ15/ 11/ 1416هـ في مدینة (قندهار) ولقبّوه بلقب أمیرالمؤمنین، وبتاریخ 6/ 7/1375 الهجري الشمسي سیطرت الإمارة الإسلامیة علی عاصمة أفغانستان مدینة (كابل) أیضاً، وبعدها أحكمت الإمارة الإسلامیة سیطرتها علی %90 من ساحات البلد بما فیها الولایات المركزیة والشمالیة.
أقامت الإمارة الإسلامیة بقیادة الملا محمد عمرالمجاهد نظاماً إسلامیاً علی أسس من الشریعة الإسلامیة، وقدمّت للعالم نموذجاً حیاً للنظام الإسلامي بعد غیاب طویل، وجنّب البلد شر التقسیم، وجمعت أسلحة بیت مال المسلمین من الأفراد والمجموعات اللامسؤولة، وأوجدت أمناً مثالیاً في البلد.
الإمارة الإسلامیة قامت بكل هذه الانجازات في الوقت الذي عجز فيه العالم -بما فیه إدارة الأمم المتحدة- عن إحراز مثل هذه الإنجازات. إلا أنّ الكفّار المستكبرین في العالم لم یتحمّلوا قیام الإمارة وتطبیق الشریعة، ولذلك اتّخذوا موقفاً عدائیاً تجاه الإمارة الإسلامیة، وبدأوا یبحثون عن الحجج الزائفة ضدّها إلی أن هاجموها عسكریاً.
شخصیة الملا محمد عمر المجاهد القیادیة:
یتمتع الملا محمد عمرالمجاهد كشخصیة قیادية بصفات خاصة. فهو -علی العكس من المسؤولین والقادة الكبار في العالم- یكره التظاهر، ولا يتحدث إلی الناس إذا لم تكن هناك ضرورة للحدیث، إلا أنّ حدیثه في أوقات الضرورة یكون رصیناً ومدروساً ومعقولاً. فعلی سبیل المثال، حین كانت الحملة الإعلامیة الأمریكیة على أشُدّها في بدایة الهجوم الأمریكي للقضاء علی الإمارة الإسلامیة بقصد التأثیرعلی معنویات المجاهدین، وكانت جمیع قنوات الإعلام الغربي المسموع والمرئي واقفة على الهجوم الأمریكي، طمأن الملا محمد عمر المجاهد شعبه ضدّ تلك الإشاعات الشیطانیة بروح مطمئنة وواثقة بالكلمات البسیطة التالیة المفعمة بالمعاني الكبیرة فقال:
( إنّ الله تعالی قادر علی كل شيء، ولا فرق عند الله تعالی بین قوة أمریكا وقوة نملة، فلیسمع الأمریكیون وحلفاؤهم بأنّ الإمارة الإسلامیة لیست مثل نظام ظاهرشاه الذي سیفرّ أمیره إلی (روما) وسیستسلم جنوده لكم، بل هذا النظام هو في الحقیقة جبهات قویة للجهاد، فحتّی لو سیطرتم علی المدن وعلی العاصمة أیضاً، وأسقطتم الحكومة، فإنّ المجاهدین سیكمنون لكم في الأریاف والجبال، فماذا ستفعلون آنذاك؟؟! إنكم ستُقتلون مثل الشیوعیین في كل مكان، اعلموا أن إحداث الفوضی أمر سهل ولكن القضاء علی الفوضی وإقامة النظام أمر صعب للغایة. إنّ الموت حق وسیتذوقه كل إنسان لا محالة، فهل موت المرء ذلیلاً في خسارة لإيمانه برفقة أمریكا خیرٌ أم موته مسلماً مؤمناً عزیزاً ؟!).
لعل كثیر من الناس لم یدرك في ذلك الوقت مغزی الكلام العقدي للملا محمد عمر المجاهد تمام الإدراك، أمّا الآن وقد مرّت علی هذه الحرب الغیر متوازیة، المحیّرة، مایقرب من أربع عشرة سنة، وهُزمت فیها أمریكا وحُلفاؤها بمن فیهم الحلف الأطلسي أمام مجاهدي الملا محمد عمر المؤمنین الشبه عزّل هزیمة واضحة، فقد فهم الناس حقیقة تلك الكلمات التاریخیة للملا محمد عمر المجاهد.
وفي بیان إذاعي آخر في بدایة الهجوم الأمریكي تحدّث إلی الناس وقال لهم في حدیثه مشیراً إلی الغزاة وعملائهم: (إنّ الأسلحة یمكنها أن تقتُل، ولكن لا یمكنها أن تصرف القتل عن أصحابها). إنّ بعض الناس في ذلك الوقت كانوا ینظرون إلی هذه الجملة علی أنها جملة من جنس كلام اللغو، إلا أنّ العالم رأی معنی تلك الجملة ومصداقها بأم عینيه في الحرب المستمرة خلال الـ 13 سنة الماضیة، وهو أنّ أسلحة الغزاة وتقنیتهم الحربیة المتطورة قتلت كثیراً من الناس ولكنها لم تصرف الموت عن حاملي تلك الأسلحة والتقنیة الحربیة المتطوّرة، وهاهم یُقتلون ویُجرَحون ویؤسرون طوال الثلاث عشرة سنة بأیدي المجاهدین الأبطال بقیادة الملا محمد عمر المجاهد.
وصارت قوات العدوّ المغرورة المدجّجة بأحدث أنواع الأسلحة تعترف الآن علناً بمقتل وإصابة آلاف من جنوده في أفغانستان.
إنّ العمل القلیل في میزان الملا محمد عمر المجاهد هو أرجح من الكلام الكثیر، وحیاته خالیة من التكلّفات والمظاهر. الفطرة والبساطة هي السمة البارزة لجمیع أبعاد حیاته، فهو یحبّ البساطة في الملبس والطعام، والحدیث، والحیاة كلّها، ویكره التكلف والمتكلفین، ویحبّ من إخوانه من یتصف بالتدبیر والإخلاص والجدّیة. وعوّد نفسه علی تحمّل المشاكل والعناء والمصائب بشكل جیّد، ویتصف برباطة الجأش في وقوع جمیع الحوادث والمشاكل الكبیرة. فلا یتطرق إلی قلبه الخوف، والاضطراب والقَلقَ، ولا یتفلّت منه زمام السیطرة علی النفس في جمیع حالات الأفراح والمصائب والانتصار والهزیمة، ویبقی رابط الجأش مطمئناً في جمیع الأحوال.
إنه یحترم العلماء والكبار. وتُعتبر الطمأنینة، والوقار، والحیاء، والأدب، والاحترام المتبادل، والمواساة، والرحمة والإخلاص من خصاله الفطرية. كما یعتبر العزم في جمیع الأعمال، والتوكل علی الله تعالی وحده، والرضا الصادق بالقدر من الممیزات الخاصة لحیاته.
وهذه الصفات جعلت من الملا محمد عمر المجاهد شخصیة محبوبة في نفوس أتباعه، ولا ترتبط هذه المحبوبیة لا بالمنصب الظاهري ولا بالإمكانیات المادیة، ولازال أتباعه يسمعون له ويطيعون وقد مرّت ثلاث عشرة سنة علی الاحتلال الأمریكي وینقادون لأوامره المكتوبة أو المسموعة تمام الانقیاد من دون أن یروه، ولا یمتنعون في سبیل تطبیقها عن التضحیة بالأنفس أیضاً.
اهتمامه بالقضایا الإسلامیة العالمیة:
الملا محمد عمر المجاهد بصفته مؤسس (حركة طالبان) وأحد قادة المسلمین یولي قضایا الأمة الإسلامیة اهتماماً كبیراً ، فهو يدافع دوماً عن المسجد الأقصی قبلة المسلمین الأولی وعن قضیة المسلمین الفلسطینیین الحقة، وعن القضایا الإسلامیة المماثلة الأخری في شرق العالم وغربه، ویعتبر تحریر المسجد الأقصی من الصهاينة مسؤولیة شرعیة لكل مسلم. إنه قائد متألم بألم الأمة الإسلامیة، ولا يقتصر في الأخوة الإسلامية والمواساة، والإیثار، والتعاون على حدود الشعارات فقط، بل أثبت التزامه بهذه القیم في میدان العمل أیضاً في كل وقت.
انتماؤه الفكري والعقدي:
یتبع الملا محمد عمر المجاهد من الناحیة الفكریة والعقدیة منهج أهل السنة والجماعة، وهو من مقلّدي المذهب الحنفي، ویكره الخرافات والبداع، ولا یحب الاختلافات المذهبیة والفكریة والتنظیمیة بین المسلمین، ویوصي إخوانه المجاهدین والمسلمین جمیعاً بالوحدة الإسلامیة والتضامن الفكري فیما بینهم، ویعتبر الوحدة علی أساس العقیدة بین المسلمین من أهم ضرورات العصر، ویری أن اتّباع السلف الصالحین والأئمّة المجتهدین في ضوء القرآن والسنة هو العامل الوحید لفلاح الأمّة الإسلامیة.
حیاته الذاتیة:
إنّ الملا محمد عمر المجاهد الذي أمضی قسماً كبیراً من حیاته في طلب العلم والمطالعة والجهاد، والدعوة وخدمة الإسلام یعتبر من الناحیة المادیة من أفقر حكام أفغانستان المعاصرین وأقلّهم استفادة من أموال بیت مال المسلمین. لأنه لم یحاول الاستفادة من وجاهته الجهادیة في الجهاد السابق لتوفیر معیشة ذاتیة له، كذلك كان في إمارته العامة علی أفغانستان لسبع سنوات. فهو لا یملك حتی الآن أي بیت للسكن فیه، ولایملك حسابات أو ممتلكات في أیة بنوك خارجیة.
وحین فرض مجلس الأمن للأمم المتحدة العقوبات الاقتصادیة الظالمة من طرفها وحكمت بتجمید الأرصدة والحسابات المالیة في البنوك الخارجیة لقادة طالبان كان الملا محمد عمر المجاهد بصفته أمیر إمارة أفغانستان الإسلامیة وأعلی شخصیة في الإمارة لایملك أي حساب مالي بإسمه الأصلي أو باسم مستعار في أي بنك لا في الداخل ولا في الخارج.
وفي أیام حكم الإمارة الإسلامیة حین تعرّض منزله لهجمات خطیرة وتسببت تلك الهجمات في استشهاد عدّة أشخاص بمن فیهم أفراد من أسرته قام المسؤولون في الإمارة الإسلامیة ببناء سكن له ومقرّ للإمارة الإسلامیة بقصد الاحتياط الأمني في الجزء الشمالي الغربي من مدینة (قندهار) بالقرب من جبل (بابا صاحب) في المكان الذي لم تكن حوله بیوت سكنیة لعامّة الناس، وذلك المنزل أیضا كان ملكاً لبیت مال المسلمین ولم یكن بیته الشخصي.
وفي عام 1996م حین لُقّبّ بلقب أمیر الإمارة الإسلامیة فَبَدل أن یشعُر بالفرح أجهش بالبكاء وابتلّ رداؤه من الدموع، وفي نهایة الاجتماع خاطب العلماء الحاضرین في خطابه التاریخي فقال لهم: (أیها العلماء! إنكم -لعلمكم الشرعي- تُعتبرون ورثة النبي صلّی الله علیه وسلم، إنكم الیوم وضعتم هذه المسؤولیة العظیمة علی عاتقي، فإنّ مسؤولیتي عن الاستقامة علی هذا الأمر أو انحرافي عنه في الحقیقة ترجع إلیكم. فیا أساتذتنا ویا أیها العلماء الوقورون! إن حدث منّا تقصیر أو انحراف في تحمّل أمانة المسلمین هذه، فإن تقویمي وإصلاحي هما من مسؤولیتكم الشرعیة. ویجب علیكم أن تُرشدوا -في ضوء علمكم الشرعي- هؤلاء الطلاب إلی الاستقامة والسیر علی طریق الحق. فإن حدث من هؤلاء الطلاب أي تقصیر أو انحراف عن تطبیق الأحكام الشرعیة، وأنتم تعلمونه ثم تسكتون عنه، فإنّ الملامة عند الله تعالی ستكون علی عاتقكم، وإنني سوف أقاضیكم عند الله تعالی یوم القیامة.
خُلُقه وسلوكه:
يتحلّی الملا محمد عمر المجاهد إلی جانب صمته بصفة الظرافـة والدعابة أيضاً، ولا يتعالی علی أحدٍ مهما كان أصغر أو أقلّ منه، وتعامله مع أصحابه تعامل حبٍّ وشفقة وإخلاص مفعم بالاحترام المتقابل، ومعظم حديثه في مجالسه يكون عن الجهاد.
انشغاله اليومي في الظروف الحالية:
إن الظروف الأمنية الصعبة ومراقبته الشديدة من قِبَل العدوّ لم تؤثّر علی وظائفه العادية وعلی تنظيمه ومراقبته للشؤون الجهادية بصفته زعيما للإمارة الإسلامية، فهو يبدأ نهاره بالعبادة وبتلاوة القرآن الكريم، وحين تتيسّر له الفرصة يستغلّها في مطالعة التفاسير المتعدّدة وفي مطالعة الأحاديث الشريفة، ويتابع الشؤون الجهادية ضدّ الغزاة بجدّية تامّة، ويصدر الأوامر بخصوص ترتيب وتنسيق الأمور الجهادية والعسكرية إلی القادة الميدانيين بطريقته المعيّنة، ويقوم بتقييم الانتصارات الجهادية ضدّ الغزاة، والأمور الأخری عن طريق الإعلام الجهادي ووسائل الإعلام العالمية، ومن هذه الطرق يتعرّف علی الأحداث اليومية في البلد والعالم. فهذه الأعمال تشكل المشاغل الأساسية اليومية لديه.
الإمارة الإسلامية تحت قيادة الملّا محمد عمر المجاهد:
الإمارة الإسلامية التي تأسست بتاريخ 15/1/1415م، وخطت خطوات متقدّمة نحو الأمام، وكسبت تأييد آلاف العلماء والمجاهدين وعامّة الشعب المجاهد، وحازت علی شرف تطبيق حاكمية الإسلام علی 95% من تراب الوطن، لازالت تسيطر كإمارة إسلامية خالصة علی ساحات كبيرة في البلد، وهي في حرب عسكرية ضدّ الغزاة الكفّار الغربيين.
يرأس الملّا محمد عمر المجاهد الإمارة الإسلامية في تشكيلها الحالي بصفة زعيم وأمير لها، ويقوم بالفعّاليات تحت قيادته نائب الأمير، والشوری القيادي، والقوّة القضائية، واللجان التنفيذية التسعة، وثلاثة هياكل إدارية أخری. فهذه الإدارات تشكل الهيكل الإداري للإمارة الإسلامية في الوقت الحاضر، ويقوم نائب الأمير بالإشراف علی جميع الإدارات، ويراقب سير أعمالها، ويقدّم التقارير عن سير الأعمال إلی أميرالمؤمنين، كما يقوم بتبليغ أوامر وتوصيات زعيم الإمارة إلی الإدارات المرتبطة.
و يتشكل الشوری القيادي من قرابة عشرين عضواً، ويتم اختيار أعضائه من قِبَل زعيم الإمارة الإسلامية، ويعقد اجتماعاته تحت قيادة نائب الإمارة. ويقوم مجلس الشوری بالمشاورات واتخاذ القرارات حول جميع الشؤون السياسية، والعسكرية، والاجتماعية وغيرها من الأمور الهامّة.
أما القوّة القضائية فهي هيكل مستقلٌّ واسع، والذي يشتمل علی المحاكم الابتدائية، ومحاكم المرافعة، ورئاسة التمييز العالي، وتزاول أعمالها في مجالها الخاص.
و نظراً للظروف الحالية ومقتضيات الزمن، فقد أنشأت الإمارة الإسلامية في إطار هيكلها الإداري تسع لجان تنفيذية، وتلبية للضرورات الجهادية والظروف العسكرية فإنّ أوسع هذه اللجان هي اللجنة العسكرية، والتي تشتمل علی عشر وحدات فرعية، وهيكل اللجنة العسكرية يشتمل علی المسؤولين العسكريين (الولاة) لجميع ولايات أفغانستان وعددها 34 ولاية، وعلی المسؤولين العسكريين للمديريات، وعلی اللجان العسكرية المحلّية في الولايات والمديريات، والتي تتحمّل مسؤولية الرقابة علی جميع الشؤون العسكرية والمدنية، وبقية اللجان هي اللجنة السياسية، واللجنة الإعلامية، واللجنة الإقتصادية، واللجنة الصحّية، ولجنة التعليم والتربية، ولجنة الدعوة والإرشاد، ولجنة شؤون الأسری، ولجنة شؤون المؤسسات.
والإدارات الأخری هي: إدارة منع إلحاق الأضرار بالمدنيين، وإدارة شؤون الشهداء والمعاقين، وإدارة جمع وتنظيم بعض الموارد المالية الخاصة.
تسيطر الإمارة الإسلامية بقيادة الملّا محمد عمر المجاهد كنظام قائم منذ ما يربو علی عشرين سنة علی معظم ساحات أفغانستان، وقد نفّذت النظام الإسلامي في ساحات سيطرتها بشكل واقعي، ووفّرت الأمن، وحافظت علی أرواح الناس وأموالهم وأعراضهم.
واجهت الإمارة الإسلامية كنظام قائم في هذه الفترة كثيراً من المشاكل والابتلاءات، ولكن بفضل الله تعالی وكرمه خرجت منتصرة من جميع تلك المشاكل والابتلاءات، وفي كلّ مرّة أظهرت الثبات والاستقامة مهما صعبت الظروف.
حفظه الله تعالی ورعاه.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire